فصل: الضرب الثاني من وليها ملكاً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الضرب الثاني من وليها ملكاً

وهم على أربع طبقات الطبقة الأولى من وليها عن بني العبّاس قبل دولة الفاطميين وأوّلهم‏:‏ أحمد بن طولون وليها عن المعتمد في سنة ست وستين ومائتين وعمر بها جامعه المتقدّم ذكره في خطط الفسطاط وفي أيامه عظمت نيابة مصر وشمخت إلى الملك وهو أول من وأقرّه المعتضد بالله بعد المعتمد وبقي بها حتى مات فوليها عن المعتضد خمارويه بن أحمد بن طولون في أول سنة اثنتين وثمانين ومائتين وقتله جنده في السنة المذكورة ثم وليها عنه جيش بن خمارويه في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقتله جنده في السنة المذكورة ثم وليها عنه هارون بن خمارويه في آخر سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقتل في سنة اثنتين وتسعين‏.‏

ثم وليها عن المكتفي بالله شيبان بن أحمد بن طولون في سنة اثنتين وتسعين ومائتين فبقي اثني عشر يوماً وعزل ثم وليها عنه محمد بن سليمان الواثقي في آخر سنة اثنتين وتسعين ومائتين ثم وليها عنه أو عن المقتدر بالله عيسى النوشري في سنة خمس وتسعين ومائتين‏.‏

ثم وليها عن المقتدر بالله أبو منصور تكين في سنة سبع وتسعين ومائتين وعزل ثم وليها عنه أبو الحسن في سنة ثلاث وثلثمائة وعزل ثم وليها عنه أبو منصور تكين ثانياً سنة سبع وثلثمائة وعزل ثم وليها عنه هلالٌ سنة تسع وثلثمائة ثم وليها عنه أحمد بن كيغلغ في سنة إحدى عشرة سنة وثلثمائة ثم وليها عنه أبو منصور تكين ثالث مرة في السنة المذكورة‏.‏

ثم وليها عن القاهر بالله محمد بن طغج في سنة إحدى وعشرين وثلثمائة‏.‏

ثم وليها عنه أحمد بن كيغلغ ثانياً في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة‏.‏

وأقره عليها المكتفي ثم المستكفي بالله بعده‏.‏

ثم وليها عن المطيع لله أبو القاسم الإخشيد في سنة خمس وثلاثين وثلثمائة ثم وليها عنه علي بن الإخشيد سنة تسع وثلاثين وثلثمائة ثم وليها عنه كافور الإخشيدي الخادم في سنة خمس وخمسين وثلثمائة وكان يحب العلماء والفقهاء ويكرمهم ويتعاهدهم بالنفقات ويكثر الصدقات حتى استغنى الناس في أيامه ولم يجد أرباب الأموال من يقبل منهم الزكاة فرفعوا أمر ذلك إليه فأمرهم أن يبتنوا بها المساجد ويتخذوا لها الأوقاف ففعلوا ثم وليها عنه أحمد بن علي الإخشيد في سنة سبع وخمسين وثلثمائة وهو آخر من وليها من العمال عن خلفاء بني العباس بالعراق‏.‏

الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين المعروفين بالعبيديين أول من وليها منهم المعز لدين الله أبو تميم معد بن تميم بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي وإليه ينسبون جهز إليها قائده جوهراً من بلاد المغرب إلى الديار المصرية ففتحها في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة على ما تقدم في الكلام على قواعد الديار المصرية وانقطعت الخطبة العباسية منها ورحل المعز من المغرب إلى مصر فوصل إليها ودخل قصره بالقاهرة في سابع رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة وصارت مصر والمغرب مملكةً واحدة وبلاد المغرب ثم ولي بعده ابنه العزيز بالله أبو المنصور يوم وفاة أبيه وإليه ينسب الجامع العزيزي بمدينة بلبيس وتوفي بالحمام في بلبيس ثامن رمضان المعظم قدره سنة ست وثمانين وثلثمائة‏.‏

ثم ولي بعده ابنه الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور ليلة وفاة أبيه وبنى الجامع الحاكمي في سنة تسع وثمانين وثلثمائة وهو يومئذ خارج سور القاهرة وفارق مصر وخرج إلى الجبل المقطم فوجدت ثيابه مزررة الأطواق وفيها آثار السكاكين ولا جثة فيها وذلك في سلخ شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة ولم يشك في قتله‏.‏

والدرزية من المبتدعة يعتقدون أنه حي وأنه سيرجع ويعود على ما سيأتي في الكلام على أيمانهم وتحليفهم إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم ولي ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي وبقي حتى توفي في شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة‏.‏

ثم ولي بعده ابنه المستنصر بالله أبو تميم معدٌ بعد وفاة أبيه‏.‏

وفي أيامه جدد سور القاهرة الكبير في سنة ثمانين وأربعمائة‏.‏

وتوفي في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة‏.‏

وفي أيامه كان الغلاء الذي لم يعهد مثله مكث سبع سنين حتى خربت مصر ولم يبق بها إلا صبابة من الناس على ما تقدم في سياقة الكلام على زيادة النيل‏.‏

ثم ولي بعده ابنه المستعلي بالله أبو القاسم أحمد يوم وفاة أبيه‏.‏

وتوفي لسبع عشرة ليلةً خلت من ثم ولي بعده الآمر بأحكام الله أبو علي المنصور في يوم وفاة المستعلي وقتل بجزيرة مصر في الثالث من ذي القعدة سنة خمس وعشرين وخمسمائة‏.‏

ثم ولي بعده ابن عمه الحافظ لدين اله أبو الميمون عبد الحميد بن الآمر أبي القاسم محمد يوم وفاة الآمر‏.‏

وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة‏.‏

ثم ولي بعده الظافر بأمر الله إسماعيل رابع جمادى الآخرة سنة أربعين وخمسمائة‏.‏

ثم ولي بعده ابنه الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى صبيحة وفاة أبيه‏.‏

وتوفي في سابع عشر شهر رجب الفرد سنة خمس وخمسين وخمسمائة‏.‏

ثم ولي بعده ابنه العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف يوم وفاة الفائز‏.‏

وتوفي يوم عاشوراء سنة أربع وستين وخمسمائة بعد أن قطع السلطان صلاح الدين خطبته بالديار المصرية وخطب للخلفاء العباسيين ببغداد قبل موته وهو آخر من ولي منهم‏.‏

الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب وهم وإن كانوا يدينون بطاعة خلفاء بني العباس فهم ملوكٌ مستقلون وفي دولتهم زاد ارتفاع قدر مصر وملكها‏.‏

أول من ملك مصر منهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام رحمه الله قد جهزه صحبة عمه أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية حتى استغاث به أهل مصر في زمن العاضد الفاطمي المتقدم ذكره لغلبة الفرنج عليهم ثلاث مرات انتهى الحال في آخرها إلى أن السلطان صلاح الدين وثب على شاور وزير العاضد المذكور فقتله وتقلد عمه أسد الدين شيركوه الوزارة مكانه عن العاضد وكتب له بذلك عهدٌ من إنشاء القاضي الفاضل فأقام فيها مدة قريبة ومات ففوض العاضد الوزراة مكانه للسلطان صلاح الدين وكتب له عهدٌ من إنشاء القاضي الفاضل أيضاً وبقي في الوزراة حتى ضعف العاضد وطال ضعفه فقطع السلطان صلاح الدين الخطبة للعاضد وخطب للخليفة العباسي ببغداد بأمر الملك العادل صاحب الشام ثم مات العاضد عن قريب فاستقل السلطان صلاح الدين بالسلطنة بمصر وقوي جأشه وثبتت في الدولة قدمه‏.‏

وتوفي بدمشق في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وكانت مدة ملكه بالديار المصرية أربعاً وعشرين سنة وملكه الشام تسع عشرة سنة ثم ملك بعده مصر ابنه الملك العزيز وملك معها دمشق وسلمها إلى عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وتفرقت بقية الممالك الشامية بيد بني عمه من بني أيوب ملك مصر والشام جميعاً في ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي بدمشق سنة خمس عشرة ثم ملك بعده ابنه الملك الكامل عقيب وفاة أبيه المذكور وهو أول من سكن قلعة الجبل بعد قصر الفاطميين بالقاهرة على ما تقدم ذكره في الكلام على القلعة واستمر في ذلك عشرين سنة وفتح حران وديار بكرٍ وكان الفرنج قد استعادوا بعض ما فتحه السلطان صلاح الدين من ساحل الشام وكتب الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ست وعشرين وستمائة على أن يكون بأيدي الفرنج القلاع والنواحي التي ملكوها بعد فتح السلطان صلاح الدين وهي جبلة وبيروت وصيدا وقلعة الشقيف وقلعة تبنين وقلعة هواين وإسكندرية وقلعة صفد وقلعة الطور واللجون وقلعة كوكب ومجدل يافا ولد والرملة وعسقلان وبيت جبريل والقدس وأعمال ذلك ومضافاته‏.‏

وبنى مدرسته الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث وتوفي بدمشق سنة خمس وثلاثين وستمائة‏.‏

ثم ملك بعده ابنه الملك العادل أبو بكر وقبض عليه في العشر الأوسط من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة‏.‏

ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل في أوائل سنة ثمان وثلاثين وستمائة‏.‏

ثم ملك بعده ابنه الملك المعظم توران شاه وهو الذي كسر الفرنج على المنصورة في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وقتل في الثامن والعشرين من المحرم المذكور‏.‏

ثم ملكت بعده أم خليل شجرة الدر في صفر سنة ثمان وأربعين وستمائة فأقامت ثمانية أشهر ولم يملك مصر في الإسلام امرأةٌ غيرها‏.‏

ثم ملك بعدها الأشرف موسى بن الناصر يوسف بن المسعود بن الكامل بن العادل أبي بكر بن أيوب في شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة وخلع نفسه وهو آخر الملوك الأيوبية بالديار المصرية‏.‏

الطبقة الرابعة ملوك الترك خلد الله تعالى دولتهم أول من ملكها منهم الملك المعز أيبك التركماني بعد خلع الأشرف موسى آخر ملوك الأيوبية في شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة وجمع له بين مصر والشام واستمر الجميع بينهما إلى الآن وبنى المدرسة المعزية برحبة الخروب بالفسطاط وتزوج بأم خليل المقدم ذكرها وقتل بحمام القلعة في سنة أربع وخمسين وستمائة‏.‏

ثم ملك بعده ابنه الملك المنصور علي عقيب وفاة والده المذكور‏.‏

وقتل أم خليل المذكورة ورميت من سور القلعة وقبض على المظفر سنة سبع وخمسين وستمائة‏.‏

ثم ملك بعده الملك المظفر قطز وكان المصاف بينه وبين التتار على عين جالوت بعد أن استولوا على جميع الشام فس رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة وكسرهم أشد كسرة واستقلع الشام منهم وبقي حتى قتل في منصرفه بطريق الشام وهو عائد منه بالقرب من قصير الصالحية على أثر ذلك في السنة المذكورة‏.‏

ثم ملك بعده الملك الظاهر بيبرس البندقداري في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة وأخذ في جهاد الفرنج واستعادة ما ارتجعوه من فتوح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وغير ذلك ففتح البيرة في سنة تسع وخمسين وستمائة والكرك في سنة إحدى وستين وحمص في آخر سنة اثنتين وستين وستمائة وقيسارية وأرسوف في سنة ثلاث وستين وصفد في سنة أربع وستين ويافا والشقيف وأنطاكية في سنة ست وستين وحصن الأكراد وعكا وصافيتا في سنة تسع وستين وكسر التتار على البيرة بعد أن عدى الفرات خوضاً بعساكره في سنة إحدى وسبعين وفتح قلاعاً من بلاد سيس في سنة ثلاث وسبعين ودخل بلاد الروم وجلس على كرسي بني سلجوق بقيسارية الروم ورجع إلى دمشق في آخر سنة خمس وسبعين وتوفي بدمشق في المحرم سنة ست وسبعين وستمائة وبنى مدرستة الظاهرية بين القصرين‏.‏

ثم ملك بعده ابنه الملك السعيد بركة في صفر سنة ست وسبعين وستمائة وخلع وسير إلى الكرك‏.‏

وملك بعده أخوه الملك العادل سلامش في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة وبقي أربعة أشهر ثم خلع‏.‏

وملك بعده الملك المنصور قلاوون الصالحي الشهير بالألفي في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمي الألفي لأن آقسنقر الكاملي كان قد اشتراه بألف دينار وفتح حصن المرقب بالشأم في تاسع عشر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وستمائة وفتح طرابلس في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وستمائة وهو الذي بنى البيمارستان المنصوري والمدرسة المنصورية والقبة اللتين داخل البيمارستان بين القصرين‏.‏

وتوفي بظاهر القاهرة المحروسة وهو قاصد الغزو في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ودفن بتربته بالقبة المنصورية داخل البيمارستان المتقدم ذكره‏.‏

ثم ملك بعده ابنه الملك الأشرف خليلٌ صبيحة وفاة أبيه وأخذ في الغزو ففتح عكا وصور وصيدا وبيروت وعثليث والساحل جميعه واقتلعه من الفرنج في رجب سنة تسعين وستمائة‏.‏

وقتل في متصيدة بالبحيرة في العشر الأوسط من المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة وهو الذي عمر المدرسة الأشرفية بالقرب من المشهد النفيسي‏.‏

ثم ملك بعده الملك المعظم بيدرا وخلع من يومه‏.‏

وملك بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون في صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة وهي سلطنته وملك بعده ‏)‏الملك العادل كتبغا‏(‏ عقب خلعه ووقع في أيامه غلاء شديد وفناء عظيم ثم خلع في صفر سنة ست و تسعين و ستمائة وتولى بعد ذلك نيابة صرخد ثم حماة وبقي حتى توفي بعد ذلك وهو الذي ابتدأ عمارة المدرسة المعروفة بالناصرية بين القصرين وأكمل بناءها الناصر محمد بن قلاوون فنسبت اليه‏.‏

وملك بعده ‏)‏الملك المنصور حسام الدين لاجين‏(‏ في الخامس والعشرين من صفر المذكور فجدد الجامع الطولوني وعمل الروك الحسامي في رجب الفرد سنة سبع وتسعين وستمائة وقتل في الحادي عشر من شوال من السنة المذكورة وبقي الأمر شورى مدة يسيرة ثم حضر الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك و أعيد الى السلطنة في الحادي عشر شوال من السنة المذكورة‏.‏

و ملك بعده الملك المظفر بيبرس الجاشنكير في الثالث والعشرين من شوال وخلع في التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة وهو الذي عمر الخانقاه الركنية بيبرس داخل باب النصر مكان دار الوزارة بالدولة الفاطمية وجدد الجامع الحاكمي‏.‏

وملك بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون في مستهل شوال من السنة المذكورة وهي سلطنته الثالثة‏.‏

وفيها طالت مدته وقوي ملكه وعمل الروك الناصري في سنة ست عشرة وسبعمائة وبنى مدرسته الناصرية بين القصرين وبقي حتى توفي في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ودفن بتربة والده‏.‏

ثم ملك بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر عقب وفاة والده وخلع تاسع عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة‏.‏

ثم ملك بعده أخوه الملك الأشرف كجك بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه المنصور المذكور وخلع في التاسع والعشرين من شهر رجب من السنة المذكورة‏.‏

ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون بعد أن أحضر من الكرك واستمر في السلطنة حتى خلع نفسه في أوائل المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة‏.‏

ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في العشرين من المحرم المذكور وبقي حتى توفي في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة‏.‏

وملك بعده أخوه الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه الكامل شعبان وبقي حتى خلع في ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وقتل من يومه‏.‏

ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في رابع عشر شهر رمضان المذكور وخلع في التاسع والعشرين من جمادى الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة‏.‏

ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح صالح بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه الناصر حسن وبقي حتى خلع في ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة‏.‏

ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر حسن المتقدم ذكره مرة ثانية يوم خلع أخيه الصالح صالح وبقي حتى خلع وقتل في عاشر جماى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة وبنى مدرسته المعظمة تحت القلعة التي ليس لها نظير في الدنيا وفي أيامه ضربت الفلوس الجدد على ما سيأتي ذكره وهو آخر من ملك من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون لصلبه‏.‏

وملك بعده ابن أخيه الملك المنصور محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع عمه الناصر حسن وبقي حتى خلع في خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة‏.‏

وملك بعده ابن عمه الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع المنصور المتقدم ذكره وهو طفل وبقي حتى كمل سلطانه وبنى مدرسته بأعلى الصوة تحت القلعة ولم يتمها وحج فخرج عليه مماليكه في عقبة أيلة ففر منهم وعاد إلى القاهرة فقبض عليه وقتل في ثالث ذي القعدة الحرام سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وفي أيامه فتحت مدينة سيس واقتلعت من الأرمن على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال حلب‏.‏

وملك بعده ابنه الملك المنصور علي يوم خلع أبيه وهو طفل فبقي حتى توفي في الثالث وملك بعده أخوه الملك الصالح حاجي بن شعبان بن حسين يوم وفاة أخيه وبقي حتى خلع في العشر الأوسط من رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة‏.‏

وملك بعده الملك الظاهر برقوق فعظم أمره وارتفع صيته وشاع ذكره في الممالك وهابته الملوك وهادته وساس الملك أحسن سياسة وبقي حتى خلع وبعث به إلى السجن بالكرك في شهر رجب أو جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة‏.‏

وملك بعده الملك المنصور حاجي بن شعبان وهو الملقب أولاً بالصالح حاجي وهي سلطنته الثانية وبقي حتى عاد الملك الظاهر برقوق المتقدم ذكره في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة فزاد في التيه وضخامة الملك وبلغ شأواً لم يبلغه غيره من غالب متقدمي الملوك وبقي حتى توفي في منتصف شوال المبارك سنة إحدى وثمانمائة‏.‏

وملك بعده ابنه الناصر فرج وسنه إحدى عشرة سنة بعهدٍ من أبيه وقام بتدبير أمره أمراء دولته فبقي حتى تغير عليه بعض مماليكه وبعض أمرائه وحضر المماليك بالقلعة فنزل منها مختفياً على حين غفلة في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة ولم يعلم لابتداء أمره أين توجه‏.‏

ثم ملك بعده أخوه الملك المنصور عبد العزيز في التاريح المذكور‏.‏

ثم ظهر أن السلطان الملك الناصر فرجاً كان مختفياً في بعض أماكن القاهرة فركب في ليلة السادس من شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة ومعه جماعة من الأمراء ومماليكه وخرج الأمراء للقيام بنصرة أخيه عبد العزيز فطلع عليهم السلطان فرج ومن معه فولوا هاربين وطلع السلطان الملك الناصر القلعة في صبيحة النهار المذكور واستقر على عادته وبقي في السلطنة حتى توجه إلى الشأم لقتال الأمير شيخ والأمير نوروز نائبي دمشق وحلب ومعه الإمام المستعين بالله أبو الفضل العباس بن المتوكل محمد خليفة العصر ودخل دمشق وحصر بقلعتها حتى قبض عليه في ثاني عشر ربيع الأول سنة خمس عشرة وثمانمائة واستبد الإمام المستعين بالله بالأمر من غير سلطان ورجع إليه ما كان يتعاطاه السلطان من العلامة على المكاتبات والتقاليد والتواقيع والمناشير وغيرها وأفرد اسمه في السكة على الدنانير والدراهم وأفرد بالدعاء في الخطبة على المنابر ثم عاد إلى الديار المصرية في أوائل ربيع الآخر من السنة المذكورة وسكن الآدر السلطانية بالقلعة وقام بتدبير دولته الأمير شيخ المقدم ذكره وسكن الإصطبلات السلطانية بالقلعة وفوض إليه الإمام المستعين بالله ما وراء سرير الخلافة وكتب له تفويض بذلك في قطع كبير عرضه ذراع ونصف بزيادة نصف ذراع عما يكتب به للسلاطين إلا أنه لم يصرح له فيه بسلطنة ولا إمارة بل كتب له بدل الأميري الآمري بإسقاط الياء على ما سيأتي ذكره في الكلام

  الفصل الرابع من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية

وفيه ثلاث أطراف الطرف الأول في ذكر معاملاتها وفيه ثلاث أركان الركن الأول الأثمان وهي على ثلاثة أنواع النوع الأول الدنانير المسكوكة مما يضرب بالديار المصرية أو يأتي إليها من المسكوك في غيرها من الممالك وهي ضربان الضرب الأول والعبرة في وزنها بالمثاقيل وضابطها أن كل سبعة مثاقيل زنتها عشرة دراهم من الدراهم الآتي ذكرها والمثقال معتبر بأربعة وعشرين قيراطاً وقدر بثنتين وسبعين حبة شعير من الشعير الوسط باتفاق العلماء خلافاً لابن حزم فإنه قدره بأربع وثمانين حبةً على أن المثقال لم يتغير وزنه في جاهيلة ولا إسلام‏.‏

قلت‏:‏ وقد كان الأمير صلاح الدين بن عرام في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين بعد السبعين والسبعمائة ضرب بالإسكندرية وهو نائب السلطنة بها يومئذ دنانير زنة كل دينار مثقالٌ على أحد الوجهين منه محمد رسول الله وعلى الوجه الآخر ضرب بالإسكندرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عز نصره ثم أمسك عن ذلك فلم تكثر هذه الدنانير ولم تشتهر ثم ضرب الأمير يلبغا السالمي أستادار العالية في الدولة الناصرية فرج بن برقوق دنانير زنة كل واحد منها مثقال في وسط سكته دائرة فيها مكتوب فرج وربما كان منها ما زنته مثقال ونصف أو مثقالان وربما كان نصف مثقال أوربع مثقال‏.‏

إلا أن الغالب فيها نقص أوزانها وكأنهم جعلوا نقصها في نظير كلفة ضربها‏.‏

الضرب الثاني ما يتعامل به معادة وهي دنانير يؤتى بها من البلاد الإفرنجة والروم معلومة الأوزان كل دينار منها معتبر بتسعة عشر قيراطاً ونصف قيراط من المصري واعتباره بصنج الفضة المصرية كل دينار زنة درهم وحبتي خروب يرجح قليلاً وهذه الدنانير مشخصة على أحد وجهيها صورة الملك الذي تضرب في زمنه وعلى الوجه الآخر صورتا بطرس وبوليس الحواريين اللذين بعث بهما المسيح عليه السلام إلى رومية ويعبر عنها بالإفرنتية جمع إفرنتي وأصله إفرنسي بسين مهملة بدل التاء المثناة فوق نسبة إلى إفرنسة‏:‏ مدينة من مدنهم وربما قيل فيها إفرنجة وإليها تنسب طائفة الفرنج وهي مقرة الفرنسيس ملكهم ويعبر عنه أيضاً بالدوكات‏.‏

وهذا الاسم في الحقيقة لا يطلق عليه إلا إذا كان ضرب البندقية من الفرنجة وذلك أن الملك اسمه عندهم دوك وكأن الألف والتاء في الآخر قائمان مقام ياء النسب‏.‏

قلت‏:‏ ثم ضرب الناصر فرج بن برقوق دنانير على زنة الدنانير الإفرنتية المتقدمة الذكر في أحد الوجهين لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي الآخر اسم السلطان وفي وسطه سفط مستطيل بين خطين وعرفت بالناصرية وكثر وجدانها وصار بها أكثر المعاملات‏.‏

إلا أنهم ينقصونها في الأثمان عن الدنانير الإفرنتية عشرة دراهم‏.‏

ثم ضرب على نظيرها الإمام المستعين بالله أبو الفضل العباس حين استبد بالأمر بعد الناصر ثم صرف الذهب بالديار المصرية لا يثبت على حالة بل يعلو تارة ويهبط أخرى بحسب ما تقتضيه الحال وغالب ما كان عليه صرف الدينار المصري فيما أدركناه في التسعين والسبعمائة وما حولها عشرون درهماً والإفرنتي سبعة عشر درهماً وما قارب ذلك‏.‏

أما الآن فقد زاد وخرج عن الحد خصوصاً في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة وإن كان في الدولة الظاهرية بيبرس قد بلغ المصري ثمانية وعشرين درهماً ونصفاً فيما رأيته في بعض التواريخ‏.‏

أما الدينار الجيشي فمسمًى لا حقيقة وإنما يستعمله أهل ديوان الجيش في عبرة الإقطاعات بأن يجعلوا لكل إقطاع عبرة دنانير معينة من قليل أو كثير وربما أخليت بعض الإقطاعات من العبرة‏.‏

على أنه لا طائل تحتها ولا فائدة في تعيينها فربما كان متحصل مائة دينار في إقطاع أكثر من متحصل مائتي دينار فأكثر في إقطاع آخر‏.‏

على أن صاحب قوانين الدواوين قد ذكر الدينار الجيشي في إقطاعات على طبقات مختلفة في عبرة الإقطاعات فالأجناد من الترك والأكراد والتركمان دينارهم دينارٌ كامل والكتانية والعساقلة ومن يجري مجراهم دينارهم نصف دينار والعربان في الغالب دينارهم ثمن دينار وفي عرف الناس ثلاثة عشر درهماً وثلث وكانه على ما كان عليه الحال من قيمة الذهب عند ترتيب الجيش في الزمن القديم فإن صرف الذهب في الزمن الأول كان قريباً من هذا المعنى ولذلك جعلت الدية عند من قدرها بالنقد من الفقهاء النوع الثاني الدراهم النقرة وأصل موضوعها أن يكون ثلثاها من فضة وثلثها من نحاس وتطبع بدور الضرب بالسكة السلطانية على نحو ما تقدم في الدنانير ويكون منها دراهم صحاحٌ وقراضات مكسرة على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب فيما بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

والعبرة في وزنها بالدرهم وهو معتبر بأربعة وعشرين قيراطاً وقدر بست عشرة حبةً من حب الخروب فتكون كل خروبتين ثمن درهم وهي أربع حبات من حب البر المعتدل والدرهم من الدنيار نصفه وخمسه وإن شئت قلت سبعة أعشاره فيكون كل سبعة مثاقيل عشروة درهم‏.‏

أما الدراهم السوداء فأسماءٌ على غير مسميات كالدنانير الجيشية وكل درهم منها معتبر في العرف بثلث درهم نقرة وبالإسكندرية دراهم سوداء يأتي الكلام عليها في معاملة الإسكندرية إن شاء الله تعالى‏.‏

النوع الثالث الفلوس فأما المطبوع فكان في الزمن الأول إلى أواخر الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون فلوس لطاف يعتبر كل ثمانية وأربعين فلساً منها بدرهم من النقرة على اختلاف السكة فيها ثم أحدث في سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة حسن أيضاً فلوس شهرت بالجدد جمع جديد زنة كل فلسٍ منها مثقالٌ وكل فلس منها قيراطٌ من الدرهم مطبوعةٌ بالسكة السلطانية على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب إن شاء الله تعالى فجاءت في نهاية الحسن وبطل ما عداه من الفلوس وهي أكثر مما يتعامل به أهل زماننا‏.‏

إلا أنها فسد قانونها في تنقيصها في الوزن عن المثقال حتى صار فيها ما هو دون الدرهم وصار تكوينها غير مستدير وزكانت توزن بالقبان كل مائة وثمانية عشر رطلاً بالمصري بمبلغ خمسمائة درهم ثم أخذت في التناقص لصغر الفلوس ونقص أوزانها حتى صار كل مائة وأحد عشر رطلاً بمبلغ خمسمائة‏.‏

قلت‏:‏ ثم استقر الحال فيها على ذلك على أنه لو جعل كل أوقية فما دونها بدرهم لكان حسناً باعتبار غلو النحاس وقلة الواصل منه إلى الديار المصرية وحمل التجار الفلوس المضروبة من الديار المصرية إلى الحجاز واليمن وغيرهما من الأقاليم متجراً ويوشك إن دام هذا تنفد الفلوس من الديار المصرية ولا يوجد ما يتعامل به الناس‏.‏

وأما غير المطبوعة فنحاسٌ مكسر من الأحمر والأصفر ويعبر عنها بالعتق وكانت في الزمن الأول كل زنة رطل منها بالمصري بدرهمين من النقرة فلما عملت الفلوس الجدد المتقدمة الذكر استقر كل رطل منها بدرهم ونصف وهي على ذلك إلى الآن‏.‏

قلت‏:‏ ثم نفدت هذه الفلوس من الديار المصرية لغلو النحاس وصار مهما وجد من النحاس المكسور خلط بالفلوس الجدد وراج معها على مثل وزنها‏.‏

الركن الثاني في المثمنات وهي على ثلاثة أنواع النوع الأول الموزونات ورطلها الذي يعتبر بوزنه في حاضرتها من القاهرة وما قاربهما الرطل المصريي وهو مائة وأربعة وأربعون درهماً وأوقيته اثنا عشر درهماً وعنه يتفرع القنطار المصري وهو مائة رطل وتعتبر أوزان الطيب بها بالمن وهو مائتان وستون درهماً وأواقيه ست و عشرون أوقية فتكون أوقيته عشرة دراهم‏.‏

المكيالات من الحبوب و نحوها واعلم أن بمصر أقداحاً مختلفة المقادير أيضاً كالأرطال بحسبه ولكل ناحية قدح مخصوص بحسب إردابها والمستعمل منها بالحاضرة القدح المصري وهو قدح صغير تقديره بالوزن من الحب المعتدل مائتان واثنان وثلاثون درهماً وقدره الشيخ تقي الدين بن رزين في الكلام على صاع الفطرة باثنين و ثلاثين ألف حبة و سبعمائة واثنتين وستين حبة وكل ستة عشر قدحاً تسمّى ويبة وكل ستة وتسعين إردبّاً وبنواحيها بالوجهين القبليّ والبحريّ أرادبّ متفاوتة يبلغ مقدار الإردبّ في بعضها إحدى عشرة ويبة بالمصريّ فأكثر‏.‏

النوع الثالث المقيسات وهي الأراضي والأقمشة فأما الأراضي فصنفان الصنف الأول أرض الزراعة وقد اصطلح أهلها على قياسها بقصبة تعرف بالحاكمية كأنها حرّرت في زمن الحاكم بأمر الله الفاطميّ فنسبت إليه وطولها ستة أذرع بالهاشميّ كما ذكره أبو القاسم الزجاجيّ في شرح مقدّمة أدب الكاتب وخمسة أذرع بالنجاريّ كما ذكره ابن ممّاتي في قوانين الدواوين وثمانية أذرع بذراع اليد كما ذكره غيرهما‏.‏

وذراع اليد ست قبضات بقبضة إنسان معتدل كلّ قبضة أربعة أصابع بالخنصر والبنصر والوسطى والسّبّابة كل إصبع ست شعيرات معترضات ظهراً لبطن على ما تقدّم في الكلام على الأميال‏.‏

وقد تقدّر القصبة بباعين من رجل معتدل وربما وقع القياس في بعض بلاد الوجه البحريّ منها بقصبة تعرف بالسّندفاويّة أطول من الحاكمية بقليل نسبة إلى بلد تسمّى سندفا بالقرب من مدينة المحلّة ثم كل أربعمائة قصبة في التكسير يعبر عنها بفدّان وهو أربعة وعشرون قيراطاً كل قيراط ستّ عشرة قصبة في التكسير‏.‏

الصنف الثاني أرض البنيان من الدّور وغيرها وقد اصطلحوا على قياسها بذراع يعرف بذراع العمل طوله ثلاثة أشبار بشبر رجل معتدل ولعله الذراع الذي كان يقاس به أرض السواد بالعراق فقد ذكر الزجاجي أنه ذراع وثلث بذراع اليد وكان ابتداء وضع الذراع لقياس الأرضين أن زياد ابن أبيه حين ولاه معاوية العراق وأراد قياس السواد جمع ثلاثة رجال‏:‏ رجلاً من طول القوم ورجلاً من قصارهم ورجلاً متوسطاً بين ذلك وأخذ الطول ذراع كل منهم فجمع ذلك وأخذ ثلثه فجعله ذراعاً لقياس الأرضين وهو المعروف بالذراع الزيادي لوقوع تقديره بأمر زياد ولم يزل ذلك حتى صارت الخلافة لبني العباس فاتخذوا ذراعاً مخالفاً لذلك كأنه أطول منه فسمي بالهاشمي لوقوعه في خلافة بني العباس ضرورة كونهم من بني هاشم‏.‏

وأما الأقمشة - فإنها تقاس بالقاهرة بذراع طوله ذراع بذراع اليد أربع وأصابع مطبوقة ويزيد عليه ذراع القماش بالفسطاط بعض الشيء وربما زاد في بعض نواحي الديار المصرية أيضاً نحو ذلك‏.‏

ولغير القماش من الأصناف أيضاً كالحصر وغيرها ذراع يخصه‏.‏

الركن الثالث في الأسعار وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار جملة من الأسعار في زمانه فقال‏:‏ وأوسط أسعارها في غالب الأوقات أن يكون الإردب القمح بخمسة عشر درهماً والشعير بعشرة وبقية الحبوب على هذا الأنموذج والأرز يبلغ فوق ذلك واللحم أقل سعره الرطل بنصف درهم وفي الغالب أكثر من ذلك والدجاج يختلف سعره بحسب حاله فجيده الطائر منه بدرهمين إلى ثلاثة والدون منه بدرهم واحد والسكر الرطل بدرهم ونصف وربما زاد والمكرر منه بدرهمين ونصف‏.‏

قلت‏:‏ وهذه الأسعار التي ذكرها قد أدركنا غالبها وبقيت إلى ما بعد الثمانين والسبعمائة فغلت الأسعار وتزايدت في كل صنف من ذلك وغيره وصار المثل إلى ثلاثة أمثاله وأربعة أمثاله فلا حول ولا قوة إلا بالله ذي المنن الجسيمة القادر على إعادة ذلك على ما كان عليه أو دونه ‏"‏ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ‏"‏‏.‏

الطرف الثاني في ذكر جسورها الحابسة لمياه النيل على أرض بلادها إلى حين استحقاق الزراعة وأصناف أرضها وما يختص بكل صنف من أرضها من الأسماء الدائرة بين كتابها ومزارعها وبيان أصناف مزدرعاتها وأحوال زرعها فأما جسورها فعلى صنفين‏:‏ الصنف الأول الجسور السلطانية وهي الجسور العامة الجامعة للبلاد الكثيرة التي تعمر في كل سنة في الديوان السلطاني بالوجهين‏:‏ القبلي والبحري ولها جراريف ومحاريث وأبقار مرتبة على غالب البلدان بكل عمل من وقد جرت العادة أن يجهز لكل عمل في كل سنة أمير بسبب عمارة جسوره ويعبر عنه بكاشف الجسور بالعمل الفلاني ويعرف بذلك في تعريف مكاتبته عن الأبواب الشريفة وربما أضيف كشف جسور عملٍ من الأعمال إلى متولي جريه ويقال في تعريفه ‏"‏ والي فلانة وكاشف الجسور بها إذا كانت المكاتبة بسبب شيء يتعلق بالجسور ولهذه الجسور كاتبٌ منفرد بها مقرر في ديوانه ما على كل بلد من الجراريف والأبقار وتكتب التذاكير السلطانية لكاشف كل عمل في الورق الشامي المربع ويشملها العلامة الشريفة السلطانية بالاسم الشريف وللجسور خولةٌ ومهندسون لكل عمل يقومون في خدمة الكاشف في عمارة الجسور إلى أن تنتهي عمارتها‏.‏

الصنف الثاني الجسور البلدية وهي الخاصة ببلد دون بلد ويتولى عمارتها المقطعون بالبلاد‏:‏ من الأمراء والأجناد وغيرهم من أموال البلاد الجارية في إقطاعهم ولها ضارئب مقررة في كل سنة‏.‏

قال ابن مماتي في قوانين الدواوين‏:‏ والفرق بين السلطانية والبلدية أن السلطانية جارية مجرى سور المدينة الذي يجب على السلطان الاهتمام بعمارته والنظر في مصلحته وكفاية العامة أمر الفكرة فيه والبلدية جارية مجرى الآدر والمساكن اللتي داخل السور كل صاحب دار منها ينظر في مصلحتها ويلتزم تدبير أمره فيها‏.‏

قال‏:‏ وقد جرت عادة الديوان أن المقطع المنفصل إذا أنفق شيئاً من إقطاعه في إقامة جسر لعمارة السنة التي انتقل الخير عنه لها استعيد له نظير منفقه من المقطع الثاني وكذلك كل ما أنفقه من مال سنته في عمارة سنة غيره كان له استعادة نظيره‏.‏

قلت‏:‏ وقد أهمل الاهتمام بأمر الجسور في زماننا وترك عمارة أكثر الجسور البلدية واقتصر في عمارة الجسور السلطانية على الشيء اليسير الذي لا يحصل به كبير نفع ولولا ما من الله تعالى به على العباد من كثير الزيادة في النيل من حيث إنه صار يجاوز تسعة عشر ذراعاً فما فوقها إلى ما جاوز العشرين لفات ري أكثر البلاد وتعطلت زراعتها ‏"‏ فضلاً من الله ونعمة ‏"‏ وإلا فقد كان النيل في الغالب يقف على سبع عشرة ذراعاً فما حولها بل تقدم من كلام المسعودي أنه إذا جاء النيل ثماني عشرة ذراعاً استبحر من أراضيها الثلث‏.‏

وأما أنواع أرضها - وما يختص بكل نوع من الأسماء فإنها تختلف باختلاف الزراعة وعدمها وبسبب ذلك تتفاوت الرغبة فيها وتختلف قيمتها باختلاف قيمة ما يزرع فيها وقد عد منها النوع الأول - الباق قال ابن مماتي‏:‏ وهو أثر القرط والقطاني والمقاثيء‏.‏

قال‏:‏ وهو خير الأرضين وأغلاها قيمة وأوفاهاً سعراً وقطيعة لأنها تصلح لزراعة القمح والكتان‏.‏

قلت‏:‏ والمعروف في زماننا أن الباق أثر القرط والفول خاصة‏.‏

أما المقاثيء فإن أثرها يسمى البرش وسيأتي ذكره فيما بعد‏.‏

النوع الثاني - ري الشراقي‏.‏

قال ابن مماتي‏:‏ وهو يتبع الباق في الجودة ويلحق به في القطيعة لأن الأرض قد ظمئت في السنة الماضية واشتدت حاجتها إلى الماء فلما رويت حصل لها من الري بمقدار ما حصل لها من الظمإ وكانت أيضاً مستريحة فزرعها ينجب‏.‏

النوع الثالث - البروبية‏.‏

وأهل زماننا يقولون البرايب قال ابن مماتي‏:‏ وهو أثر القمح والشعير قال‏:‏ وهو دون الباق لأن الأرض تضعف بزراعة هذين الصنفين‏.‏

فمتى زرع أحدهما على الآخر لم تنجب كنجابة الباق وسعرها دون سعره ويجب أن تزرع قرطاً وقطاني ومقاثيء لتستريح الأرض وتصير باقاً في السنة الآتية‏.‏

النوع الرابع - البقماهة بضم الباء الموحدة وسكون القاف - وهو أثر الكتان‏.‏

قال ابن مماتي‏:‏ ومتى زرع فيه القمح لم ينجب وجاء رقيق الحب أسود اللون‏.‏

النوع الخامس - الشتونية وأهل زماننا يقولون الشتاني وهو أثر ما روي وبار في السنة النوع السادس - شوشمس السلايح قال ابن مماتي‏:‏ وهو عبارة عما روي وبار بحرث وعطل وهو يجري مجرى الباق وري الشراقي ويجيء ناجب الزرع‏.‏

النوع السابع - البرش النقاء قال‏:‏ وهو عبارة عن كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها للسنة الماضية لا شاغل لها عن قبول ما تودعه من أصناف المزروعات‏.‏

النوع الثامن - الوسخ المزروع قال‏:‏ وهو عبارة عن كل أرض لم يستحكم وسخها ولم يقدر المزارعون على استكمال إزالته منها فحرثوها وزرعوها وطلع زرعها مختلطاً بوسخها‏.‏

النوع التاسع - الوسخ الغالب وهو عبارة عن كل أرض حصل فيها من النبات الذي شغلها عن قبول الزراعة ما غلب المزارعين عليها ومنعهم بكثرته عن الزراعة فيها وهي تباع مراعي للبهائم‏.‏

النوع العاشر - الخرس وهو عبارة عن فساد الأرض بما استحكم فيها من موانع قبول الزرع وهو أشد من الوسخ الغالب في التنقية والإصلاح وهي مرعى الدواب‏.‏

النوع الحادي عشر - الشراقي وهو عبارة عما لم يصل إليه الماء لقصور النيل وعلو الأرض أو سد طريق الماء عنه‏.‏

النوع الثاني عشر - المستبحر وهو عبارة عن أرض واطئة إذا حصل الماء فيها لا يجد مصرفاً له عنها فيمضي زمن الزراعة قبل زواله بالنضوب‏.‏

قال ابن مماتي‏:‏ وربما انتفع به من ازدرع الأرض بالاستقاء منه بالسواقي لما زرعه في العلو‏.‏

النوع الثالث عشر - السباخ وهو أرض غلب عليها الملح فملحت حتى لم ينتفع بها في زراعة الحبوب وهي أردى الأرضين قال ابن مماتي‏:‏ وربما زرع فيما لم يستحكم منها الهليون والباذنجان وربما قطع منها ما يسبح به الكتان ويزرع فيها القصب الفارسي فينجب‏.‏

الطرف الثالث في وجوه أموالها الديوانية وهي على ضربين شرعي وغير شرعي الضرب الأول الشرعي وهو على سبعة أنواع النوع الأول المال الخراجي وهو ما يؤخذ عن أجرة الأرضين وله حالان الحال الأول - ما كان عليه الأمر في الزمن المتقدم وقد أورد ابن مماتي في قوانين الدواوين ما يقتضي أنه كان على كل صنفٍ من أصناف المزروعات قطيعة مقررة في الديوان السلطاني أمرها فذكر أمرها فذكر أن قطيعة القمح كانت إلى آخر سنة سبع وستين وخمسمائة عن كل فدانٍ ثلاثة أرادب ثم انه تقرر عند المساحة في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة إردبان ونصف إردب‏.‏

ثم قال‏:‏ ومن ذلك ما يباع بعين ومنه يزرع مشاطرة قال‏:‏ وقطيعة الشعير كذلك وقطيعة الفول عن كل فدان من ثلاثة أرادب إلى أردبين ونصف وقطيعة الجلبان والحمص والعدس عن كل فدان إردبان ونصف وقطيعة الكتان تختلف باختلاف البلاد‏.‏

ثم قال‏:‏ وهي على آخر ما تقرر في الديوان عن كل فدان ثلاثة دنانير إلى ما دونها وقطيعة القرط بالديوان عن كل فدان دينار واحد وفيما بين الناس مختلف وقطيعة الثوم والبصل عن كل فدان ديناران وقطيعة الترمس عن كل فدان دينار واحد وربع وقطيعة الكمون والكراويا والسلجم الصيفي عن كل فدان دينارٌ واحد‏.‏

قال‏:‏ وكان قبل ذلك دينارين وقطيعة البطيخ الأخضر والأصفر واللوبياء عن كل فدان ثلاثة دنانير وقطيعة السمسم عن كل فدان دينار واحد وقطيعة القطن كذلك وقطيعة قصب السكر عن كل فدان ان كان رأساً خمسة دنانير وان كان خلفةً ديناران وخمسة قراريط وقطيعة القلقاس عن كل فدان ثلاثة دنانير وقطيعة النيلة عن كل فدان ثلاثة دنانير وقطيعة الفجل عن كل فدان دينار واحد وقطيعة اللفت كذلك وقطيعة الخس عن كل فدان ديناران وقطيعة الكرنب كذلك‏.‏

قال والقطيعة المستقرة عن خراج الشجر والكرم تختلف باختلاف سنينه‏.‏

ثم قال‏:‏ وهو يدرك في السنة الرابعة ويترتب على كل فدان ثلاثة دنانير وقطيعة القصب الفارسي عن كل فدان ثلاثة دنانير‏.‏

الحال الثاني - ما الأمر عليه في زماننا والحال فيه مختلف باختلاف البلاد‏.‏

فالوجه القبلي الذي هو الصعيد أكثر خراجه غلالٌ من قمح وشعير وحمصٍ وفول وعدس وبسلة وجلبانٍ ويعبر في عرف الدواوين عما عدا القمح والشعير والحمص بالحبوب ثم الغالب أن يؤخذ عن خراج كل فدان من الأصناف المذكورة ما بين إدربين إلى ثلاثة بكيل تلك الناحية وربما زاد أو نقص عن ذلك وفي الغالب يؤخذ مع كل إردب درهم أو درهمان أو ثلاثة ونحو ذلك بحسب قطائع البلاد وضرائبها في الزيادة والنقص في الأرادب والدراهم وبما كان الخراج في بعض هذه البلاد دراهم وما بار من أرض كل بلد يباع ما ثبت فيه من المرعى مناجزة وربما أخذ والوجه البحري غالب خراج بلاده دراهم وليس فيه ما خراج بلاده غلةٌ إلا القليل على العكس من الوجه القبلي‏.‏

ثم الذي كان عليه الحال إلى نحو التسعين والسبعمائة في غالب البلاد أن يؤجر أثر الباق كل فدان بأربعين درهماً فما حولها والبرايب كل فدان بثلاثين درهماً فما حولها ثم غلا السعر بعد ذلك حتى جاوز الباق المائة والبرايب الثمانين وبلغ البرش نحو المائتين وذلك عند غلو الغلال وارتفاع سعرها‏.‏

قلت‏:‏ ثم تزايد الحال في ذلك بعد الثمانمائة إلى ما بعد العشر والثمانمائة حتى صار يؤخذ في الباق عن كل فدان نحو الأربعمائة درهم وربما زادت الأرض الطيبة حتى بلغت ستمائة درهم وفي البرايب ونحوه دون ذلك بالنسبة ثم إنه اذا كان المقرر في خراج بلد من بلاد الديار المصرية غلالاً وأعوز صنفٌ من الأصناف ان يؤخذ البدل عنها من صنف اخر من الغلة‏.‏

وقد ذكر في ‏"‏ قوانين الدواوين ‏"‏ أن قاعدة البدل أن يؤخذ عن القمح بدل كل إردب من الشعير إردبان ومن الفول إردب واحد ونصف ومن الحمص إردب ومن الجلبان إردبٌ ونصف والشعير يؤخذ عن كل إردب منه نصف إردب من القمح أو ثلثا إردب من الفول أو نصف إردب من الحمص أو ثلثا إردب من الجلبان وفي الفول يؤخذ عن كل إردب منه ثلث إردب من القمح أو إردب ونصف إردب من الشعير أو ثلثي إردب من الحمص أو إردب من الجلبان وفي الحمص يؤخذ عن كل إردب منه إردب من القمح أو إردبان من الشعير أو إردب ونصف من الفول أو إردب ونصف من الجلبان وفي الجلبان يؤخذ عن كل إردب منه ثلثي إردب من القمح أو إردب ونصف من الشعير أو اردب من الفول أو ثلثي إردب من من الحمص ثم قال‏:‏ والسمسم والسلجم والكتان ما رأيت لها بدلا والاحتياط في جميع ذلك الرجوع الى سعره الحاضر فإنه أسلم طريقةً واحسن عاقبةً‏.‏

واعلم أن بلاد الديار المصرية بالجهين‏:‏ القبلي والبحري بجملتها جارية في الدواوين السلطانية واقطاعات الأمراء وغيرهم من سائر الجند إلا النزر اليسير مما يجري في وقف من سلف من ملوك الديار المصرية ونحوهم على الجوامع والمدارس والخوانق ونحوها مما لا يعتدّ به لقلته‏.‏

والجاري في الدواوين على ضربين‏:‏ الضرب الأول ما هو داخل في الدواوين السلطانية وهو الآن غلى أربعة أصناف‏:‏ الصنف الأول ما هو جار في ديوان الوزارة وأعظمه خطراً وأرفعه قدراً جهتان‏:‏ إحداهما - عمل الجيزية المتقدم ذكره في أعمال الديار المصرية ولها مباشرون بمفردها من ديوان الوزارة ما بين ناظر ومستوفٍ وشهود وصيرفيّ وغيرهم وغالب خراجه مبلغ دراهم تحمل الى بيت المال فتثبت فيه وتصرف منه في جملة مصارف بيت المال وربما حمل من بعضها الغلّة اليسيرة من القمح وغيره للأهراء السلطانية بالفسطاط ومن أرضها تفرد الإطلاقات ويبذر فيها البرسيم لربيع الخيول بالإصطبلات السلطانية والأمراء والمماليك السلطانية‏.‏

الثانية - عمل منفلوط وله مباشرون كما تقدم في الجيزية بل هي أرفع قدراً وأكثر متحصلاً وغالب خراجة غلال‏:‏ من قمح وفول وشعير وغلالها تحمل إلى الأهراء السلطنية بالفسطاط ويصرف منها في جملبة مصارف الأهراء على الطواحين السلطانية والمناخات وغير ذلك وربما حمل منها المبلغ اليسير إلى بيت المال فيثبت فيه ويصرف منه على ما تقدم في الأعمال الجيزية وما عدا هاتين الجهتين من البلاد الجارية في ديوان الوزارة مفرقة في الأعمال بالوجهين‏:‏ القبلي والبحري وهي في الوجه القبلي أكثر ولكنها قد تناقصت في هذا الزمن حتى لم يبق فيها إلا بعض بلاد بالوجه القبلي‏.‏

الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص وهو الديوان الذي أحدثه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون حين أبطل الوزراة على ما سيأتي ذكره وأعظم بلاده وأرفعها قدراً مدينة الإسكندرية فإنها في الغالب مضافة إليه وبها مباشرون من ناظر ومستوف وشادين وغيرهم وربما أخرت عنه في جهات أخرى جارية فيه ويليها تروجه وفوه ونستروه ومال جميعها يحمل إلى خزانة الخاص الآتي ذكرها تحت نظر ناظر الخاص الآتي ذكره‏.‏

الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد وهو ديوان أحدثه الظاهر برقوق في سلطنته وأفرد له بلاداً وأقام له مباشرين وجعل الحديث فيه لأستاذ داره الكبير ورتب عليه نفقة مماليكه من جامكيات وعليف وكسوة وغير ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وليس هو المخترع لهذا الاسم بل رأيت في ولايات الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما يدل على أنه كان للخليفة ديوان يسمى‏:‏ الديوان المفرد‏.‏

الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك وهو ديوان أحدثه الظاهر برقوق المتقدم ذكره وأفرد له بلاداً سماها أملاكاً وأقام لها أستاذ دار ومباشرين بمفردها وهذا الديوان خاص بالسلطان ليس عليه مرتب نفقة ولا كلفة‏.‏

الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات وهو جل البلاد بالوجهين القبلي والبحري والبلاد النفيسة الكثيرة المتحصل في الغالب تقطع للأمراء على قدر درجاتهم فمنهم من يجتمع له نحو العشر بلاد إلى البلد الواحدة وما دون ذلك من البلدان بيقطع للمماليك السلطانية يشترك الاثنان فما فوقهما في البلدة الواحدة في الغالب وربما انفرد الواحد منهم بالبلد الواحد‏.‏

وما دون ذلك يكون لأجناد الحلقة تجتمع الجماعة منهم في البلد الواحد بحسب مقداره وحال مقطعيه وفي معنى أجناد الحلقة المقطعون من العربان بالبحيرة والشرقية من أرباب الأدارك وملتزمي خيل البريد وغيرهم‏.‏

ثم اعلم أن لبلاد الديار المصرية حالين‏:‏ الحال الأول - أن تنجز إجارة طين البلد بقدر معين لا يزيد ولا ينقص وطلب الخراج على حكمها‏.‏

الحال الثاني - أن تكون البلاد مما جرت العادة بمساحة أرضها لسعة طينها واختلاف الري فيه بالكثرة والقلة في السنين وقد جرت العادة في ذلك أن كاتب خراج الناحية يطلب خولة القانون بذلك البلد وتوريخ الأحواض على المزارعين بفدن مقدرة وتكتب بها أوراق تسمى أوراق المسجل وتحمل نسختها إلى ديوان صاحب الإقطاع فتخلد فيه فإذا طلع الزرع خرج من باب صاحب الإقطاع مباشرون فيمسحون أرض تلك البلد في كل قبالة بأسماء المزارعين ويكتب أصل ذلك في أوراق تسمى الفنداق ثم تجمع القبائل بأوراق تسمى تأريج القبائل ثم تجمع أسماء المزارعين بأوارق تسمى تأريج الأسماء ويقابل بين ما اشتملت عليه أوراق المسجل وما اشتملت عليه مساحته وفي الغالب يزيد عن أوراق المسجل ويجمع ذلك وتنظم به أوراق النوع الثاني ما يتحصل مما يستخرج من المعادن وقد تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية أن الموجود الآن بها ثلاثة معادن‏:‏ الأول - معدن الزمرد على القرب من مدينة قوص ولم يزل مستمر الاستخراج إلى أواخر الدولة الناصرية محمد بن قلاوون ثم أهمل لقلة ما يتحصل منه مع كثرة الكلف وبقي مهملاً إلى الآن‏.‏

وقد ذكر في مسالك الأبصار‏:‏ أنه كان له مباشرون وأمناء من جهة السلطان يتولون استخراجه وتحصيله ولهم جوامك على ذلك‏.‏

ومهما تحصل منه حمل إلى الخزائن السلطانية فيباع ما يباع ويبقى ما يصلح للخزائن الملوكية‏.‏

الثاني - معدن الشب بالباء الموحدة في آخره قال في قوانين الدواوين‏:‏ ويحتاج إليه في أشياء كثيرة أهمها صبغ الأحمر وللروم فيه من الرغبة بمقدار ما يجدون من الفائدة وهو عندهم مما لا بد منه ولا مندوحة عنه ومعادن بأماكن من بلاد الصعيد والواحات على ما تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية‏.‏

قال‏:‏ وعاد الديوان أن ينفق في تحصيل كل قنطارٍ منه بالليثي ثلاثين درهماً وربما كان دون ذلك وتهبط به العرب من معدنه إلى ساحل قوص وساحل إخميم وساحل أسيوط وساحل البهنسي إن كان الإتيان به من الواحات ثم يحمل من هذه السواحل إلى الإسكندرية ولا يعتد للمباشرين فيه إلا بما يصح فيها عند الاعتبار‏.‏

قال ابن مماتي‏:‏ وأكثر ما يباع منه في المتجر بالإسكندرية خمسة آلاف قنطار بالجروي وبيع منه في بعض السنين ثلاثة عشر ألف قنطار‏.‏

وسعره من خمسة دنانير إلى خمسة دنانير وربع وسدس كل قنطار‏.‏

قال‏:‏ أما القاهرة فأكثر ما يباع فيها في كل سنة ثمانون قنطاراً كل قنطار بسبعة دنانير ونصف ثم قال‏:‏ وليس لأحد أن يبيعه ولا يشتريه سوى الديوان السلطاني ومتى وجد مع أحد شيء من صنفه استهلك‏.‏

قلت‏:‏ وقد تغير غالب حكم ذلك‏.‏

الثالث - معدن النطرون وقد تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية أن النطرون يوجد في معدنين‏:‏ أحدهما بعمل البحيرة مقابل بلدة تسمى الطرانة على مسيرة يوم منها وتقدم في كلام صاحب التعريف أنه لا يعلم في الدنيا بقعة صغيرة يستغل منها أكثر مما يستغل منها فإنها نحو مائة فدان تغل نحو مائة ألف دينار كل سنة‏.‏

والمعدن الثاني بالفاقوسية على القرب من الخطارة ويعرف بالخطاري وهو غير لاحق في الجودة بالأول‏.‏

قال في نهاية الأرب‏:‏ وأول من احتجر النطرون أحمد بن محمد بن مدبر نائب مصر قبل أحمد بن طولون وكان قبل ذلك مباحاً‏.‏

قال في قوانين الدواوين‏:‏ وهو في طور محدود لا يتصرف فيه غير المستخدمين من جهة الديوان والنفقة على كل قنطار منه درهمان وثمن كل قنطار منه بمصر والإسكندرية لضيق الحاجة إليه سبعون درهماً قال‏:‏ والعادة المستقرة أنه متى أنفق من الديوان في االعربان عن أجرة حمولة عشرة آلاف قنطار ألزموا بحمل خمسة عشر ألف قنطار حساباً عن كل قنطار قنطار ونصفٌ‏.‏

ثم قال‏:‏ وأكثره مصروف في نفقة الغزاة‏.‏

قلت‏:‏ أما في زماننا فقد تضاعفت قيمة النطرون وغلا سعره لاحتجار السلطان له وأفرط حتى خرج عن الحد حتى إنه ربما بلغ القنطار منه مبلغ ثلثمائة درهم أو نحوها‏.‏

وقد كان على النطرون مرتبون من كتاب دست وكتاب درج وأطباء وكحالين وغيرهم وجماعةٌ من أرباب الصدقات يستأدون ذلك وينفقون على حمولته إلى ساحل النيل بالبلدة المعروفة بالطرانة المتقدمة الذكر ويبيعونه على من يرغب فيه ليتوجه به في المراكب إلى الوجه القبلي ولم يكن لأحد أن يبيع شيئاً بالوجه البحري جملةً ثم بطل ذلك في أواخر الدولة الظاهرية برقوق وصار النطرون بجملته خالصاً للساطان جارياً في الديوان المفرد تحت نظر أستاذ دار يحمل إلى الإسكندرية والقاهرة فيحزن في شون ثم يباع منها وعليه مباشرون يحضرون الواصل والمبيع ويعملون الحسبانات بذلك وتميز بذلك متحصله للغاية القصوى‏.‏

النوع الثالث قد تقرر في كتب الفقه أن من وجبت عليه زكاة كان مخيراً بين أن يدفعها إلى الإمام أو نائبه وبين أن يفرقها بنفسه‏.‏

والذي عليه العمل في زماننا بالديار المصرية أن أرباب الزكوات المؤدين لها يفرقونها بأنفسهم ولم يبق منها ما يؤخذ على صورة الزكاة إلا شيئين‏:‏ أحدهما - ما يؤخذ من التجار وغيرهم على ما يدخلون به إلى البلد من ذهب أو فضة فإنهم يأخذون على كل مائتي درهم خمسة دراهم ثم اشترى بها شيئاً وخرج به وعاد بنظير المبلغ الأول لا يؤخذ منه شيء عليه حتى يجاوز سنة‏.‏

إلا أنهم انتقصوا سنة ذلك فجعلوها عشرة أشهر وخصوه بما إذا لم يزد في المدة المذكورة على أربع مرار فإن زاد عليها استأنفوا له المدة ثم إنه إذا كان بالبلد متجر لأحد من تجار الكارم من بهار ونحوه وحال عليه الحول بالبلد أخذوا عليه الزكاة أيضاً‏.‏

ومجرى ذلك جميعه مجرى سائر متحصل الإسكندرية في المباشرة وغيرها‏.‏

الثاني - ما يؤخذ من العداد من مواشي أهل برقة من الغنم والإبل عند وصولهم إلى عمل البحيرة بسبب المرعى وفي الغالب يقطع لبعض الأمراء ويخرج قصادهم لأخذه‏.‏

النوع الرابع الجوالي وهي ما يؤخذ من أهل الذمة عن الجزية المقررة على رقابهم في كل سنة وهي على قسمين‏:‏ ما في حاضرة الديار المصرية من الفسطاط والقاهرة وما هو خارج عن ذلك فأما ما بحاضرة الديار المصرية فإن لهذه الجهة بها ناظراً يولى من جهة السلطان بتوقيع شريف ويتبعه مباشرون من شاد وعامل وشهود وتحت يده حاشرٌ لليهود وحاشر للنصارى يعرف بأرباب الأسماء الواردة في الديوان ومن ينضم إليهم ممن يبلغ في كل عام من الصبيان ويعبر عنهم بالنشو ومن يقدم إلى الحاضرة من البلاد الخارجة عنها ويعبر عنهم بالطارئ ومن يهتدي أو يموت ممن اسمه وارد الديوان‏.‏

يملي على كتاب الديوان ما يتجدد من ذلك‏.‏

قال في قوانين الدواوين‏:‏ إن الجزية كانت في زمانه على ثلاث طبقات‏:‏ عليا وهي أربعة دنانير وسدسٌ عن كل رأس في كل سنة ووسطى وهي ديناران وقيراطان وسفلى وهي دينار واحد وثلث وربع دينار وحبتان من دينار وإنه أضيف إلى جزية كل شخص درهمان وربع عن رسم الشاد والمباشرين‏.‏

ثم قال‏:‏ وقد كانت العادة جارية باستخراجها في أول المحرم من كل سنة ثم صارت تستخرج في أيام من ذي الحجة‏.‏

قلت‏:‏ أما الآن فقد نقصت حتى صار أعلاها خمسة وعشرن درهماً وأدناها عشرة دراهم ولكنها صارت تستأدى معجلة في شهر رمضان ثم ما يتحصل منها يحمل منه قدر معين في كل سنة لبيت المال وباقي ذلك عليه مرتبون من القضاة وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية من سائر بلدانها فإن جزية أهل الذمة في كل بلد تكون لمقطع تلك البلد من أمير أو غيره تجري مجرى مال ذلك الإقطاع وإن كانت تلك البلد جارية في بعض الدواوين السلطانية كان ما يتحصل من الجزية من جهل الذمة بها جارياً في ذلك الديوان‏.‏

النوع الخامس ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية واعلم أن المقرر في الشرع أخذ العشر من بضائعهم التي يقدمون بها من دار الحرب إلى بلاد الإسلام إذا شرط ذلك عليهم‏.‏

والمفتى به في مذهب الشافعي رضي الله عنه أن للإمام أن يزيد في المأخوذ عن العشر وأنت ينقص عنه إلى نصف العشر للحاجة إلى الازدياد من جلب البضاعة إلى بلاد المسلمين وأن يرفع ذلك عنهم رأساً إذا رأى فيه المصلحة‏.‏

وكيفما كان الأخذ فلا يزيد فيه على مرة من كل قادم بالتجارة في كل سنة حتى لو رجع إلى بلاد الكفر ثم عاد بالتجارة في سنته لا يؤخذ منه شيء إلا أن يقع التراضي على ذلك ثم الذي ترد إليه تجار الكفار من بلاد الديار المصرية ثغر الإسكندرية‏.‏

وثغر دمياط المحروستين تأتي إليهما مراكب الفرنج والروم بالبضائع فتبيع فيهما أو تمتار منهما ما تحتاج إليه من البضائع وقد تقرر الحال على أن يؤخذ منهم الخمس وهو ضعف العشر عن كل ما يصل بهم في كل مرة وربما زاد ما يؤخذ منهم على الخمس أيضاً‏.‏

قال ابن مماتي في قوانين الدواوين‏:‏ وربما بلغ قيمة ما يستخرج عما قيمته مائة دينار ما يناهز خمسة وثلاثين ديناراً وربما انحط عن العشرين ديناراً‏.‏

قال‏:‏ ويطلق على كليهما خمس قال‏:‏ ومن الروم من يستأدى منه العشر إلا أنه لما كان الخمس أكثر كانت النسبة إليه أشهر‏.‏

ولذلك ضرائب مستقرة في الدواوين وأوضاع معروفة‏.‏

النوع السادس المواريث الحشرية وهي مال من يومةت وليس له وارث خاص‏:‏ بقرابة أو نكاح أو ولاء أو الباقي بعد الفرض من مال من يموت وله وارث ذو فرض لا يستغرق جميع المال ولا عاصب له‏.‏

وهذه الجهة أيضاق على قسمين‏:‏ ما في حاضرة الديار المصرية وما هو خارج عنها‏.‏

فأما ما بحاضرة الديار المصرية فإن لهذه الجهة ناظراً يولى من قبل السلطان بتوقيع شريف ومعه مباشرون من شاد وكاتب ومشارف وشهود وهي مضافة إلى ما تحت نظر الوزارة من سائر المباشرات ومتحصلها يحمل إلى بيت المال وربما كان عليها مرتبون من أرباب جوامك وغيرهم وقد جرت عادة هذا الديوان أن كاتبه في كل يوم يكتب تعريفاً بمن يموت بمصر والقاهرة من حشري أو أهلي وتفصيله من رجال ونساء وصغار ويهود ونصارى وتكتب منه نسخ لديوان الوزارة ولنظر الدواوين ومستوفي الدولة ويسد من وقت العصر فمن أطلق بعد العصر أضيف إلى النهار القابل‏.‏

وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية فلها مباشرون يحصلونها ويحملون ما يتحصل منها إلى الديوان السلطاني‏.‏

النوع السابع ما يتحصل من باب الضرب بالقاهرة والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف الصنف الأول الذهب واصله مما يجلب إلى الديار المصرية من التبر من بلاد التكرور وغيرها مع ما يجتمع إليه من الذهب‏.‏

قال في قوانين الدواوين‏:‏ وطريق العمل فيها أن يسبك ما يجتمع من أصناف الذهب المختلفة حتى يصير ماء واحداً ثم يقلب قضباناً ويقطع من أطرافها قطع بمباشرة النائب في الحكم ويحرر بالوزن ويسبك سبيكة واحدة ثم يؤخذ من بعضها أربعة مثاقيل ويضاف إليها من الذهب الحائف المسبوك بدار الضرب أربعة مثاقيل ويعمل كل منها أربع ورقات وتجمع الثمان ورقات في قدح فخار بعد تحرير وزنها‏.‏

ويوقد عليها في الأتون ليلة ثم تخرج الورقات وتمسح ويعبر الفرع على الأصل فإن تساوى الوزن وأجازه النائب في الحكم ضرب دنانير وإن نقص أعيد إلى أن يتساوى ويصح التعليق فيضرب حينئذ دنانير‏.‏

قال ابن الطوير في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية بالديار المصرية في سياقه الكلام على وظيفة قضاء القضاة‏:‏ وسبب خلوص الذهب بالديار المصرية ما حكى أن أحمد بن طولون صاحب مصر كان له إلمام بمدينة عين شمس الخراب على القرب من المطرية من ضواحي القاهرة حيث ينبت البلسان وأن يد فرسه ساخت بها يوماً في أرض صلدة فأمر بحفر ذلك المكان فوجد فيه خمسة نواويس فكشفها فوجد في الأوسط منها ميتاً مصبراً في عسل وعلى صدره لوحٌ لطيف من ذهب فيه كتابةو لا تعرف والنواويس الأربعة مملوءة بسبائك الذهب فنقل ذلك الذهب ولم يجد من يقرأ ما في اللوح فدل على راهب شيخ بدير العربة بالصعيد له معرفة بخط الأولين فأمر بإحضاره فأخبره بضعفه عن الحركة فوجه باللوح إليه فلما وقف عليه قال‏:‏ إن هذا يقول‏:‏ أمنا أكبر الملوك وذهبي أخلص الذهب‏.‏

فلما بلغ ذلك أحمد بن طولون قال‏:‏ قبح الله من يكون هذا الكافر أكبر منه أو ذهبه أخلص من ذهبه فشدد في العيار في دور الضرب وكان يحضر ما يعلق من الذهب ويختم بنفسه فبقي الأمر على ما قرره في ذلك من التشديد في العيار‏.‏

وكانت دار الضرب في الدولة الفاطمية لا يتوالاها إلا قاضي القضاة تعظيماً لشأنها وتكتب في عهده في جملة ما يضاف إلى وظيفة القضاء ويقيم لمباشرة ذلك من يختاره من نواب الحكم وبقي الأمر على ذلك زمناً بعد الدولة الفاطمية أيضاً‏.‏

أما في زماننا فنظرها موكول لناظر الخاص الذي استحدثه الملك الناصر محمد بن قلاوون عند تعطيله الوزارة على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

والسكة السلطانية بالديار المصرية فيما هو مشاهد من الدنانير أن يكتب على أحد الوجهين‏:‏ ‏"‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ‏"‏ وعلى الوجه الآخر اسم السلطان الذي ضرب في زمنه وتاريخ سنة ضربه‏.‏

الصنف الثاني الفضة النقرة وقد ذكر ابن مماتي في قوانين الدواوين في عيارها أنه يؤخذ ثلثمائة درهم فضة فتضاف الى سبعمائة درهم من النحاس الأحمر ويسبك ذلك حتى يصير ماء واحداً فيقلب قضباناً ويقطع من أطرافها خمسة عشر درهماً ثم تسبك فإن خلص منها أربعة دراهم فضة ونصف حساباً عن كل عشرة دراهم ثلاثة دراهم وإلا أعيدت إلى أن تصح‏.‏

وكأن هذا ماكان الأمر عليه في زمانه والذي ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار‏:‏ أن عيارها الثلثان من فضة والثلث من نحاس وهذا هو الذي عليه قاعدة العيار الصحيح كما كان في أيام الظاهر بيبرس وما ولاها وربما زاد عيار النحاس في زماننا على الثلث شيئاً يسيراً بحيث يظهره النّقد ولكنه يروج في جملة الفضة وربما حصل التوقف فيه إذا كان بمفرده‏.‏

قلت‏:‏ أما بعد الثمانمائة فقد قلّت الفضة وبطل ضرب الدراهم بالديار المصرية إلا في القليل النادر لا ستهلاكها في السروج والآنية ونحوها وانقطاع واصلها إلى الديار المصرية من بلاد الفرنج وغيرها ومن ثمّ عّز وجود الدراهم في المعاملة بل لم تكد توجد‏.‏

ثم حدث بالشأم ضرب دراهم رديئة فيها الثلث فما دونه فضة والباقي نحاس أحمر وطريقة ضربها أن تقطع القضبان قطعاً صغاراً كما تقدم في الدنانير ثم ترصع إلا أن الدنانير لاتكون إلا صحاحاً مستديرة والفضة ربما كان فيها القراضات الصغار المتفاوتة المقادير فيما دون الدرهم إلى ربع درهم وما حوله وصورة السكة على الفضة كما في الذهبمن غير فرق‏.‏

وقد تقدم أنه كان في الزمن الأول فلوس صغار كل ثمانية وأربعين فلساً منها معتبرة بدرهم من النّقرة إلى سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن ابن محمد بن قلاوون الثانية فأحدثت فلوس عبّر عنها بالجدد زنة كل فلس منها مثقال وهو قيراط من أربعة وعشرين قيراطاً من الدرهم ثم تناقص مقدارها حتى كادت تفسد وهي على ذلك‏.‏

وطريق عملها‏:‏ أن يسبك النحاس الأحمر حتى يصير كالماء ثم يخرج فيضرب قضباناً ثم يقطع قطعاً قطعاً صغاراً ثم ترصع وتسك بالسكة السلطانية وسكتها أن يكتب على أحد الوجهين اسم السلطان ولقبه ونسبه وعلى الآخر اسم بلد ضربه وتاريخ السنة التي ضرب فيها‏.‏